قانون تجريم التحرّش الجنسي برّ آمان الضحايا
بعد رحلة استمرت لنحو سنتين، شقّ اقتراح قانون تجريم التحرّش الجنسي المقدّم من النائبة عناية عز الدين طريقه نحو الهيئة العامة لمجلس النواب، ليحطّ في آخر محطة في مسار اقتراحات القوانين، قبل تحولّها الى قوانين نافذة، وذلك بعد تمريره في لجنة الإدارة والعدل في العاشر من تشرين الثاني 2020.
ارتفاع خطير في أعداد ضحايا التحرّش
وفق آخر الأرقام التي نشرتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي (عن شهري تموز وآب 2020)، سُجلت خلال ستين يوماً 143 شكوى تحرّش جنسي (47 شكوى في تموز و96 في آب)؛ وقدّرت المديرية العامة الزيادة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 104.25%، ما يشكل ارتفاعاً خطيراً وكبيراً، مشيرة الى أنّ الشكاوى الواردة هي فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي العائدة للمديرية العامة وخدمة “بلَغ” الإلكتروني.
مقارنة بسيطة في الأرقام تظهر ارتفاعاً كبيراً في الشكاوى، بحيث تدرّجت من 43 شكوى خلال الفترة الممتدة من 20 كانون الأول لغاية 20 شباط 2020 إلى 122 شكوى خلال الفترة الممتدة من 21 شباط لغاية 21 نيسان 2020، لتصل إلى 143 شكوى خلال شهري تموز وآب 2020، بحسب التقرير الأخير لقوى الأمن الداخلي.
التعبئة العامة زادت من حالات التحرّش
يشير مصدر أمني لموقع “أحوال” إلى أنّ قرار التعبئة العامة، جرّاء تفشي فيروس كورونا وما رافقها من إقفال عام في البلاد، زاد من حالات التحرّش والابتزاز الجنسي. ويلفت الى أنّ معظم حالات التحرّش خلال تلك الفترة تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً بين فئات صغار السن.
ويوضح المصدر أنّ التحرّش عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتخذ أشكالاً مختلفة، إن كان عبر صور فاضحة أو تركيب صور بطريقة إباحية أو تسجيلات صوتية، وغيرها من الأساليب التي يتفنن الجناة بإبتكارها.
وبحسب المصدر، فإنّ ارتفاع عدد الشكاوى أو البلاغات يعود إلى حملات التوعية المستمرة من قبل الجمعيات المعنية وقوى الأمن الداخلي.
أي قانون يجرّم التحرّش هو خطوة إيجابية
غير أنّ الأرقام المقدمة تبقى بعيدة عن الواقع، “فما خُفي أعظم” لا سيما أن لا قانون يجرّم فعل التحرش، رغم أنّه يُعد جريمة بحسب الاتفاقيات الدولية.
وفي هذا الأطار، تعتبر المحامية في منظمة “كفى عنف وإستغلال” ليلى عواضة في حديث مع موقع “أحوال” أنّ “أي قانون يصل إلى تجريم التحرّش هو خطوة إيجابية على الأقل لناحية بدء اعتراف الدولة بجرمية الفعل”. وتلفت عواضة إلى أنّ الوضع في لبنان دقيق، إذ يقع على عاتق الضحية أو الناجي و الناجية أن يثبتوا صحة الوقائع من عدمها في أغلب الأحيان، في حين لا إجراءات رادعة أو عقابية بحق المرتكب”. وتضيف أنّ “القانون يكون فعالاً بقدر ما يحمي الضحايا ويضع إطاراً للتحقيق معهم بحيث لا “يتجرجر من تحقيق إلى آخر”.
غياب الحماية يعيق الضحايا من تقديم شكوى
وبحسب عواضة، “الضحايا لا يجاهرون بما تعرضوا له ويحجمون بالتالي عن التقدم بشكوى، لأن لا أحد يضمن لهم النتيجة، بالإضافة الى غياب الإطار الآمن والحماية لهم، فضلاً عن الخوف من الفضيحة.
وتؤكد عواضة أنّ “في مجتمعنا الذكوري” الذي ينمّط صورة المرأة ويضعها في إطار تلبية حاجات وغرائز الرجل، تُعد النساء الأكثر عرضة للتحرش”، كذلك يُعد “الأطفال ذكوراً وإناثاً على حد سواء من ضمن تلك الفئة، وهنا المفارقة”.
وفيما تشدّد عواضة على أهمية حملات التوعية في المجتمع، تؤكد أن الدولة اللبنانية دائما متأخرة عن الوعي وفي سن القوانين التي تتعلّق بالعنف وحقوق الإنسان.
وتشير الى أنّ القوانين إذا ما وُضعت، يكون ذلك بسبب الحملات التي تقوم بها بشكل دائم منظمات المجتمع المدني، أو إرضاءً للمجتمع الدولي.
اقتراح القانون يضع تعريفاً واضحاً للفعل
يقدم اقتراح القانون المقدّم من النائب عز الدين في مادته الأولى تعريفاً وافياً للتحرّش الجنسي: “أي سلوك سيّئ مُتكرّر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحيّة، ذو مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحيّة في أي مكانٍ وُجِدَت؛ عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمّ التحرّش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية”. كما “يُعتبَر أيضاً تحرّشاً جنسياً كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرّر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري، يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير”.
الاقتراح يقدم إطاراً للمحاسبة
وبحسب نص الاقتراح يُحكم على المتحرّش بالسجن من شهر حتى سنة، وبغرامة تتراوح بين ثلاثة أضعاف وعشرة أضعاف الحدّ الادنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وإذا كانت جريمة التحرّش حاصلة “في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل، أو إذا كان المتحرّش موظّفاً وِفقاً للتعريف المنصوص عليه في المادة 350 من قانون العقوبات، وتعسّف باستعمال السلطة التي يتمتّع بها بحكم المهام المكلَّف بها، أو بمعرض القيام بالوظيفة أو بسببها، يُعاقب المرتكب بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 10 أضعاف إلى 20 ضعفاً الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
أما إذا وقع الجرم على “حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو على من كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه بسبب وضعه الصحّي الجسدي أو النفسي، أو إذا كان الجاني ممّن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المجنى عليه، أو إذا ارتكب فعل التحرّش شخصان أو أكثر، أو إذا استخدم الجاني الضغط الشديد، النفسي أو المعنوي أو المادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية، تكون العقوبة بالسجن من سنتين إلى 4 سنوات، وبغرامة تتراوح من 30 إلى 50 ضعفاً الحد الأدنى الرسمي للأجور”.
أما في حال “التكرار أو المعاودة، تُضاعف عقوبتا السجن والغرامة في حدّيهما الأدنى والأقصى في كلّ الحالات المذكورة، ويُحكَم بعقوبتي السجن والغرامة معاً”.
القانون يلبي المعايير الدولية
مع تزايد أعداد ضحايا التحرّش الجنسي وغياب أي رادع قانوني للمرتكبين، رأت رئيسة لجنة المرأة والطفل النائب عناية عز الدين، وفي إطار دورها كمشرّعة أهمية وجود قانون منفصل عن قانون العقوبات، يجرّم التحرّش وينصف الناجين، ويتيح المحاسبة والاقتصاص من الجناة والمرتكبين ويفتح باب إعادة تأهيل الضحايا.
ويشرح رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي بول مرقص (شارك بصياغة اقتراح القانون) في حديث لموقع “أحوال” أنّ الاقتراح بصيغته الحالية مشروع منفصل عن قانون العقوبات وقانون العمل، كي يكون له وقعه الخاص”. ويضيف أنّ العمل هنا هو “على تغيير عقليةٍ وثقافةٍ معيّنة موجودة في المجتمع، وربما تقليدٍ متبع وهو أمرٌ غير مألوف بالتشريع اللبناني”.
ويشير مرقص الى أنّ الاقتراح يلبّي المعايير الدولية، ويشكّل تقدماً في مجال حقوق الإنسان. ويقول: “تصنيف البلاد اليوم لا يعتمد فقط معيار الترسانة العسكرية وضخامة الجيوش وتطوّرها، إنّما أيضاً يُقاس تقدُمها تبعاً لمدى احترامها لحقوق الانسان”. ويؤكد أنّ الاقتراح يضع ضوابطاً لحالات التجاوز باستعمال الحق الذي قد ينجم عنه تعسّف وضرر على المشتكى عليه؛ بمعنى “أن لا تتقدم شكاوى غير محقة وتعسفية، وفيها تجاوزٌ على الغير؛ كأن يُقدم أحد الموظفين على تقديم شكوى بوجه صاحب العمل لإحراجه والتّشهير به”. ومن هنا يسمح القانون للمُشتكى عليه “بطلب التّعويض عن الضرر النّفسي نتيجة سوء نية المُشتكي”.
وبحسب مرقص، فإنّ القانون لم يفرّق بين أماكن العمل؛ بمعنى أنّه يشمل كل الأماكن التي يمكن أن يقع فيها فعل التحرّش، حتى لو كان بالإدارات الرسمية، ويلغي كل الامتيازات التي قد يختبئ وراءها المعتدون ويستخدمونها لإسكات ضحاياهم أو حتى الناجين.
هل يلقى القانون مصير سلفه؟
لم يكن اقتراح القانون هذا الأول من نوعه، فقد سَبقه مقترحاتُ ومشاريعُ قوانين تقدّم بها عدد من النواب والوزراء، أبرزهم الوزير السابق جان أوغاسبيان، والنائب السابق غسان مخيبر. إقتراح الأخير كان قد نال “الثّقة” في مجلس النواب عام 2017 ثم ما لبثت أن نُزِعت عنه في الجلسة عينها.
ومن هذا المنطلق، يخشى مرقص من وجود آراء في الهيئة العامة للمجلس قد تؤدي إلى الإطاحة بهذا القانون،خصوصاً أنه يجب أن يسبقه حملة توعية ليس للمواطنين فحسب، إنّما أيضا للمشرّعين حول مدى أهميته.
فالقانون، يُشير مرقص إلى أنه يتشارك بالعديد من الأفكار مع الاقتراحات ومشاريع القوانين ذات الصلة السابقة. غير أنه مُتقدّم عليها بحيث أنه يسدّ الكثير من الثغرات التي كانت تعتريها. فالمأخذ الأساس على مشروع واقتراح أوغاسبيان ومخيبر كان “المكان” الذي أُدرِج فيه تعريف التحرش الجنسي. في اقتراح قانون مخيبر، أُدرج التحرّش الجنسي على مستوى قانون العقوبات. فيما أَدرجها مشروع أوغاسابيان في قانون العقوبات أيضا وقانون العمل (وذلك يعني أن التّحرش الجنسي أُدرَج هنا تحت باب الأخلاق والآداب العامة من قانون العقوبات وهو ما ترفضه الجمعيات والمجتمع المدني).
كما أن المقترحين لم يتضمّنا أحكاماً خاصة للتصدي للتحرش المعنوي. أيضاً لم يخرج المقترحان من باب إثبات الفعل، وهو أمرٌ يصعب لا بل يستحيل إثباتُه في معظم الأحيان.
وبانتظار “حكم” محكمة الهيئة العامة لمجلس النواب، يبقى اقتراح قانون تجريم التحرّش الجنسي بصيغته الأخيرة مقبولاً، وخطوة أولى في مسار تحقيق عدالة إنسانية واجتماعية لا انتقائية أو جندرية فيها.